إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 5 أغسطس 2015

أساطير وحقائق .."قناة السويس الجديدة".




ضجّ المشهد المصري، خلال هذا الأسبوع، بفيض من الرسائل الإعلامية عن المعجزات التي ستحققها "قناة السويس الجديدة"، إلا أن كل هذه الرسائل ليست دقيقة.

الأسطورة الأولى: "القناة الجديدة" ستسمح بازدواجية حركة الملاحة بطول القناة.

الحقيقة: الفكرة حقيقية نوعًا ما، بنسبة ٦٠٪ إذا شئت الدقة.

يبلغ طول قناة السويس ١٩٣ كيلومترًا؛ تسمح ٨٠,٥ كيلومتر منها بازدواجية الملاحة (حركة السفن في كلا الاتجاهين). 


الرسم التوضيحي السابق يُظهر أن التفريعة الجديدة ستساعد على تجاوز إحدى نقاط الاختناق في القناة عبر إضافة مسار موازٍ للقديم بامتداد المسافة بين البحيرات المرة ومنطقة البلاح. أضاف «مدى مصر» على الخريطة السهم الأحمر الذي يوضّح مسافة الـ٣٥ كيلومترًا التي تم حفرها ضمن مشروع "قناة السويس الجديدة"، أما الخط الورديّ فيظهر مسافة ٣٧ كيلومترًا من المسار القديم، والتي تم تعميقها لتسمح بمرور سفن أكبر.

كلا التعديلين سيجعلان الملاحة أسهل بالنسبة لشركات السفن، وسيسمحان بمرور عدد أكبر من السفن في قافلتي الشمال والجنوب، وكذلك سيقلصان وقت عبور القناة. غير أن التعديلات الجديدة لن تؤدي إلى ازدواجية الملاحة بشكل كامل، وسيظل هناك احتياج إلى انتظار السفن في البحيرات المرة، والاعتماد على نظام القوافل الذي ينظم مرور السفن المقبلة من بورسعيد (قافلة الشمال) ومن السويس (قافلة الجنوب) في المناطق أحادية الاتجاه من القناة.

الأسطورة الثانية: افتتاح "القناة الجديدة" إنجاز يضاهي افتتاح القناة القديمة. أو كما قال الفريق مهاب مميش- رئيس هيئة قناة السويس- مؤخرًا: "قناة السويس الجديدة تعبر بالأمة من الظلمات إلى النور".

الحقيقة: يُعد توسيع قناة السويس، بلا شك، إنجازًا كبيرًا لأحد المشروعات العامة، غير أن القول إنه "سيغير خريطة العالم"، كما تشير إحدى لوحات الإعلانات في مدينة نيويورك، فيه قدر من المبالغة.

للتوضيح: القناة الأصلية تُقلّص المسافة بين أوروبا وآسيا بما يعادل ٨ آلاف و٩٠٠ كيلومتر (٤٣٪ من المسافة الكلّية)، وتختصر الطريق بين لندن والخليج العربي من ٢٤ يومًا إلى ١٤ يومًا. التوسيعات والتفريعة الجديدة لن تُغير من طول الرحلة بين أرجاء العالم. فوفقًا لهيئة قناة السويس، ستُخفّض التفريعة الجديدة زمن الانتظار من ٨-١١ ساعة إلى ٣ ساعات. بالنسبة للقافلة الجنوبية ستنخفض ساعات الانتظار من ١٨ إلى ١١ ساعة (بينما تُشير مصادر أخرى إلى أن زمن الانتظار قبل الأعمال الجديدة كان يبلغ ١٤ساعة).

بالنسبة للأنشطة الملاحية، يُترّجم الوقت إلى أموال؛ لذلك فأي توفير في الوقت المستهلك في عبور القناة سيكون أمرًا عظيمًا بالنسبة لشركات السفن. لكنه لن يُمثّل تغيرًا جذريًا في التجارة الدولية مثلما فعلت القناة القديمة.

أيضًا، يتضمن تاريخ تطوير القناة مرات عدة جرى فيها تطويرها وتوسيعها. فقد تم إتمام ثلاث تفريعات صغيرة سنة ١٩٥٥ بطول ٢٧,٧ كيلومتر تسمح بالملاحة المزدوجة. كما تم إتمام تفريعتين أخريين سنة ١٩٨٠، لتسمح كلها بازدواج الملاحة بطول ٥٣,٨ كيلومتر. وأطول هذه التفريعات القديمة هي تفريعة بورسعيد ويبلغ طولها ٤٠,١ كيلومتر.

تملك وكالة "أسوشيتيد برس" لقطات أرشيفية لحفل افتتاح التوسعات الجديدة عام ١٩٨٠؛ حيث تم قصّ الشريط، وأُطلقت البالونات والحمائم في السماء. حفل لطيف إلى حد مقبول، لكنه لا يشبه المشهد "المُبهر" المتوقع نهاية هذا الأسبوع.

الأسطورة الثالثة: "القناة الجديدة" ستؤدي إلى مضاعفة أرباح قناة السويس.

الحقيقة: منذ الإعلان عن المشروع، والمسؤولون الحكوميون يزعمون أن القناة الجديدة ستؤدي إلى زيادة أرباح القناة إلى ١٣,٥ مليار دولار سنويًا عام ٢٠٢٣، مقارنة بأرباح القناة العام الماضي والتي بلغت ٥,٥ مليار دولار.

وتشكك اقتصاديون وخبراء ملاحة منذ البداية فيما تم إعلانه من أرقام بخصوص تضاعف الأرباح، بسبب عدم قدرة الحكومة على توضيح كيف أن استقطاع عدة ساعات من زمن عبور القناة سيؤدي إلى هذا التغير الدرامي في منظومة التجارة الدولية.

قالت شركة "كابيتال إيكونوميكس"، للدراسات والبحوث الاقتصادية في لندن، في تحليل أصدرته أمس الاثنين إن "توقعات الحكومة [المصرية] تبدو معتمدة على افتراضات متفائلة وغير قابلة للتصديق بخصوص التجارة الدولية". ويرى التحليل أن التقييم الاقتصادي للأرقام المعلنة يوضح أنها "ليس لها أساس وغير واقعية".

وتشير حسابات "كابيتال إيكونوميكس" إلى أنه لكي تتحقق هذه الزيادة في عائدات قناة السويس، يجب أن تزداد التجارة الدولية سنويًا بنسبة ٩٪. وهي حاليًا تتزايد بمعدل ٣٪ فقط تقريبًا كل عام. كما بلغت معدلات الزيادة في فترة الازدهار الاقتصادي خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ٧,٥٪ سنويًا. 

وترى الشركة أن توقع زيادة سنوية في التجارة الدولية بمعدل ثابت عند ٩٪ يبدو أمرًا "غير مرجح، على أقل تقدير".

الأسطورة الرابعة: تمويل مشروع «القناة الجديدة» اعتمد بالكامل على الاكتتاب الشعبي.

الحقيقة: تمكنت الحكومة، عبر بيع شهادات استثمار قناة السويس، من توفير ٦٤ مليار جنيه خلال أسبوعين. وأتى ٨٨٪ من هذا المبلغ من مواطنين مصريين. لعب "الشعور الوطني"، بجانب الفائدة التي تبلغ ١٢٪، دور الحافز الأساسي لمعظم من اشتروا شهادات الاستثمار. غير أن التمويل الذي تم توفيره لم يكن كافيًا لحفر القناة، واحتاجت الحكومة إلى قرضين إضافيين من بنوك محلية يقدّران بـ٨٥٠ مليون دولار.

لا يوجد بالطبع ما يعيب الاحتفال بـ«القناة الجديدة»، لكن بعض الواقعية لا يضر. ففي الوقت الذي تبدو فيه التفريعة الجديدة قادرة على جلب عائدات إضافية للاقتصاد المصري، إلا أنها لن تقلب الأمور رأسًا على عقب كما يَعِد البعض.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق