|
مقاتلة "رافال" على حاملة طائرات فرنسية في مياه الخليج أول من أمس (أ ف ب) |
أثار خبر تعاقد سلاح الجو المصري على طائرة «رافال» المقاتلة ــ الفرنسية الصنع ــ مواقف متناقضة بين مرحّب على اعتبار أنها تمثّل إضافة نوعية، وبين منتقد ومشكّك في فوائد العقد. الانتقادات بطبيعة الحال كانت موجهة بشكل رئيسي من قبل مناصري جماعة الإخوان المسلمين المحظورة. فما هي الحقيقة؟
ماهي الـ«رافال»
«رافال» (Rafale) تعني بالفرنسية الإعصار، وهي طائرة بمحركين من إنتاج شركة «داسو للطيران»، الشركة الفرنسية الشهيرة التي أنتجت طائرات أخرى شهيرة مثل "ميستير" و"ميراج" التي شاركت في المعارك الجوية في الشرق الأوسط والتي أبلت بلاءً ممتازاً، وإن كان هذا الأداء على حساب أسلحة الجو العربية، إذ كانت تشكل عماد سلاح الجو الإسرائيلي.
تصنف "رافال" ضمن فئة الطائرات المتعددة الأدوار، حيث تصنف الطائرات المقاتلة ضمن عدة فئات مختلفة، أهمها:
*الطائرات الاعتراضية interceptor المختصة بتنفيذ مهمات اعتراض الطائرات المهاجمة، ولا سيما الطائرات القاذفة، وتتميز هذه الطائرات بسرعتها العالية وقدرتها على الوصول إلى ارتفاعات عالية بسرعة. ولكنّ الميزتين تأتيان على حساب قدرات المناورة والقتال طائرة لطائرة؛ "الميغ 25" السوفياتية و"التورنادو" البريطانية هما مثالان على الطائرات الاعتراضية.
*طائرات التفوق الجوي air-superiority المختصة باقتحام سماء الخصم والاشتباك مع أنواع الطائرات المعادية المختلفة بقصد تأمين السيطرة الجوية المطلقة، وتتميز هذه الطائرات بالقدرة العالية على الاشتباك طائرة لطائرة؛ "السوخوي 27" الروسية والـ"اف ـ 15" الأميركية، من بين الأمثلة عليها.
*طائرات الدعم الأرضي والتحريم الجوي وهي الطائرات المختصة بتقديم الدعم للقوات البرية أو الهجوم على أهداف أرضية في عمق أراضي العدو، وذلك لحرمان العدو من تجميع القوات في خطوطه الخلفية أو الاستفادة من بعض المواقع الحيوية لتعطيل قدراته القتالية. "الجاغوار" البريطانية و"السوخوي 25" الروسية من بين الأمثلة على هذه الفئة من الطائرات.
*هناك أيضاً ما يعرف بالطائرات المتعددة الأدوار multi-role التي تحاول القيام بالأدوار المذكورة أعلاه وربما بعدد من الأدوار الأخرى، مثل مهمات الاستطلاع. الـ"رافال" والـ"ميراج 2000" الفرنسيتان والـ"اف ـ 16" الأميركية و"السوخوي 30" الروسية، و"جاس غريبن" السويدية، تمثل أمثلة على الطائرات المتعددة الأدوار.
وفي الحقيقة، فإن التوجه لدى كثير من الدول حالياً هو لحيازة طائرات متعددة الأدوار، لأن هذا أقل كلفة من امتلاك طائرات متعددة كل منها متخصص بمهمات محددة. ودمج الأدوار لا يأتي على حساب قدرة الطائرة في كل مجال وحده، وإن كان يؤدي إلى ارتفاع ثمن الطائرة بالنتيجة. فسعر طائرة "رافال"، مثلاً، يصل إلى قرابة مئة مليون دولار.
قدرات الـ«رافال» مقارنة بطائرات أخرى
عادةً ما يتم تقييم الطائرات المقاتلة من خلال دراسة قدراتها في عدد من النقاط مثل: الأدوار التي تستطيع الاضطلاع بها، مدى التحليق، نوع الرادار، عدد ووزن الأسلحة والمعدات التي تستطيع حملها، قدرتها على التخفي عن الرادارات المعادية، وأخيراً، بالطبع، كلفة اقتناء الطائرة. وكما ذُكر، فإن "رافال" هي طائرة متعددة الأدوار، لذلك سنقوم بمقارنتها بالطائرات الأخرى في فئتها، ونضيف إلى المقارنة الـ"ميغ 29" الروسية، باعتبار أن هناك تسريبات إعلامية عن نية مصر التعاقد عليها.
*بالنسبة إلى مدى التحليق يبلغ مدى "رافال" الفرنسية أكثر من 3700 كيلومتر، وذلك باستخدام خزانات الوقود الخارجية. بينما يبلغ مدى الـ"ميغ 29" الروسية نحو 2100 كيلومتر، باستخدام خزانات الوقود الخارجية، ومن دونها نحو 1400 كيلومتر. ويبلغ مدى "سوخوي 30" الروسية نحو 3000 كيلومتر. ويبلغ مدى "جاس غريبن" السويدية نحو 3200 كيلومتر، بينما يبلغ مدى أحدث نماذج الـ"اف ـ 16" الأميركية، وباستخدام الخزانات الخارجية، نحو 3200 كيلومتر، أي إن "رافال" تتفوق على منافساتها الأربع.
*بالنسبة إلى نوع الرادار ومدى عمله، تتفوق "رافال" على الطائرات الثلاث الأخرى من حيث امتلاكها للرادار RBE2-AA الذي يعمل بالتقنية المستقبلية المشهورة باسم AESA، وهي اختصار لـactive electronically scanned array والذي يمكن ترجمته بمجموعة المسح الإلكتروني النشطة.
يتفوق هذا النوع من الرادارات على الأجيال القديمة التي تعتمد على وجود "أنتين" يجب تحريكه وتوجيهه إلى الجهة التي يراد مسحها عن طريق إرسال موجات راديوية ذات تردد واحد، بينما تعتمد رادارات المسح النشط على وجود أجهزة إرسال متعددة ثابتة غير متحركة تقوم بإرسال موجات راديوية ذات ترددات مختلفة، وهذا يزيد دقة الرصد ويمنع اكتشاف الطائرة التي ترسل هذه الموجات لأن الترددات متغيرة، بينما يمكن رصد الطائرات التي تستخدم الرادارات التي تعتمد التقنية القديمة. كذلك فإن رادارات AESA أكثر قدرة على مقاومة التشويش الإلكتروني من الرادارات الأخرى. ولا تزال الـ"ميغ 29" والـ"سوخوي 30" الروسية تعتمد الرادارات القديمة التقليدية، والوضع مشابه تقريباً بالنسبة إلى الـ"اف ـ 16" الأميركية التي تم توفير خيار الرادارات الأحدث من نوع AESA فقط لأحدث أجيالها التي تعرف باسم "F-16 Block 60"، والطائرات التي أخّرت الولايات المتحدة تسليمها لمصر هي من طراز "F-16 Block 50/52"، مزودة برادارات تعتمد على التقنية القديمة. أما مقاتلة "جاس غريبن" السويدية فهي مزودة أيضاً برادار تقليدي، ولكن سيتم استخدام رادار جديد (ES-05) بتقنية AESA في الجيل الجديد من هذه المقاتلة. ولكن التفوق يبقى لمصلحة "رافال"، إذ إن الهدف الذي يكتشفه رادار (ES-05) من مسافة 150 كيلومتراً يستطيع رادار "رافال" كشفه من مسافة تقارب 200 كيلومتر. إذاً، تتفوق "رافال" على منافساتها الأربع في مجال نوع الرادار ومداه.
*بالنسبة إلى الأسلحة والمعدات التي يمكن حملها، نجد أن "ميغ 29" الروسية يمكن تزويدها بما مجموعه 3.5 أطنان من الأسلحة والمعدات موزعة على 9 نقاط تعليق، ثلاث على كل جناح وثلاث تحت هيكل الطائرة. أما "اف ـ 16" فيمكن تزويدها بما مجموعه 7.7 أطنان من الأسلحة والمعدات موزعة على 11 نقطة تعليق، ثلاث تحت كل جناح وواحدة على نهاية كل جناح وثلاث تحت الهيكل. ويمكن تحميل "سوخوي 30" بما مجموعه ثمانية أطنان من الأسلحة والمعدات موزعة على 12 نقطة تعليق، ثلاث تحت كل جناح وواحدة على نهاية كل جناح وأربع تحت الهيكل. أما أحدث نماذج "جاس غريبن"، المستقبلية، فهي قادرة على حمل ما مجموعه ستة أطنان من الأسلحة والمعدات موزعة على ثماني نقاط تعليق. تتفوق "رافال" على هذه الطائرات الثلاث بقدرتها على التسلح بما مجموعه 9.5 أطنان من الأسلحة موزعة على 14 نقطة تعليق، أي إنها تحمل "عدداً" أكبر من الأسلحة وبوزن إجمالي أكبر. وهي تتفوق بذلك حتى على "سوخوي 30" التي تفوقها بالحجم بكثير.
*تلعب قدرة الطائرة المقاتلة على التخفي وتجنّب كشفها من قبل الرادارات المعادية ــ الأرضية منها والجوية ــ دوراً مهماً في المعركة. وبالرغم من أن الخفاء التام، أو ما يعرف باسم «الشبحية»، لا يزال مقتصراً على بعض الطائرات الأميركية الحديثة مثل "اف 22"، إلا أن الشركات المصنعة تعمل على تحقيق درجة من الخفاء أو "الشبحية" الجزئية، وذلك عبر استخدام تقنيات مختلفة، مثل الدهان الممتص للأشعة الرادارية أو تخفيض البصمة الحرارية للمحركات. ولكن يبقى هناك عوامل تمنع "الشبحية" الكاملة وتسمح للرادار باكتشاف الطائرة. ولقياس ومقارنة "شبحية" الطائرة يتم استخدام مقياس يسمى المقطع الراداري العرضي للطائرة. وهذا المقطع يؤخذ كمؤشر على سهولة أو صعوبة كشف الطائرة؛ وكلما صغر المقطع العرضي أصبح كشف الطائرة أصعب. فعلى سبيل المثال، تملك "سوخوي 30" مقطعاً عرضياً مقداره حوالى أربعة أمتار مربعة، بينما يتراوح المقطع العرضي لـ"اف ــ 16" (بحسب الجيل) بين 1.5 إلى خمسة أمتار مربعة، بينما لا يزيد المقطع العرضي لـ"رافال" عن متر مربع واحد، علماً بأن المقطع العرضي لصاروخ "توماهوك" يبلغ نصف متر مربع. ولهذا، كثيراً ما يشار إلى مقاتلة "رافال" على أنها تمتلك ميزات "شبحية".
*أخيراً، مسألة كلفة اقتناء المقاتلة. في الحقيقة تعدّ هذه الناحية واحدة من أكثر المسائل تعقيداً، إذ إنها ترتبط بشروط العقد الذي يتم الاتفاق عليه بين الطرفين والمواصفات التفصيلية للطائرة، وأي جيل من أجيال الطائرة، وفترة السداد، وغير ذلك. ولتسهيل المقارنة، وجعلها أكثر موضوعية، تم استخدام أسعار الطائرات عندما دخلت الخدمة لدى الدول المصنعة لها. وهكذا يبلغ ثمن "ميغ 29" ما بين 35 إلى 50 مليون دولار و"سوخوي 30" ما بين 55 إلى 60 مليون دولار، فيما سعر أحدث نماذج "اف ــ 16" يصل إلى ما يزيد على مئة مليون دولار، و"جاس غريبن" حوالى 70 مليون دولار، و"رافال" حوالى مئة مليون دولار.
بمقارنة هذه النقاط المختلفة، نجد أن مقاتلة "رافال" تتفوق عموماً على منافساتها الأربع. أما قرار التعاقد على هذه الطائرة دون غيرها فيعود إلى الظروف الموضوعية لكل سلاح جو.
سلاح الجو المصري: الظروف الموضوعية والاحتياجات المستقبلية
منذ منتصف السبعينيات، ابتعد سلاح الجو المصري عن الاتحاد السوفياتي، والسلاح الشرقي عموماً، وتوجه إلى الغرب، واقتنى نماذج مختلفة من الطائرات الأميركية والفرنسية.
واليوم تشكل طائرات "إف ــ 16" الأميركية العمود الفقري لسلاح الجو المصري بعدد إجمالي يقارب 200 منها، معظمها من الجيل المسمّى "F-16 Block 40"، وتليها طائرات "ميراج" الفرنسية، بنماذجها المختلفة، بعدد إجمالي يصل إلى مئة طائرة، وأخيراً تأتي "ميغ 21" الروسية التي بقي منها في الخدمة أقل من 60 طائرة، وعلى الأغلب سيتم إخراجها من الخدمة قريباً.
إن الاهتمام المصري بالطائرات الفرنسية الصنع يعود إلى نهاية الستينيات، وتحديداً بُعيد حرب الأيام الستة، عندما أدركت القيادة العسكرية المصرية محدودية قدرات الطائرات السوفياتية، ولا سيما من ناحيتي مدى الطيران والقدرة على حمل الأسلحة والمعدات، وخصوصاً أن سلاح الجو الإسرائيلي كان قد حقق السيطرة الجوية خلال تلك الحرب باستخدام الطائرات الفرنسية "ميستير" و"ميراج".
وهكذا، عندما قررت ليبيا بناء سلاحها الجوي، نصح الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر القيادة الليبية بمحاولة اقتناء "ميراج" الفرنسية كي تكون عوناً للقوات الجوية المصرية في الحرب المقبلة، وذلك بسبب إدراك مصر أن فرنسا قد لا تقوم ببيع هذه الطائرات لمصر مباشرة. وقامت مصر بإرسال طيارين مصريين إلى ليبيا حيث تم تزويدهم بجوازات سفر ليبية وتم إرسالهم إلى فرنسا ليتم تدريبهم على الطائرات الجديدة. وبالفعل، ساهمت "ميراج" مساهمة جيدة في حرب عام 1973.
واليوم أيضاً، تجد القيادة العسكرية المصرية أن اقتناء الطائرات الفرنسية الحديثة هو الخيار الصحيح، وذلك في ضوء النقاط الآتية:
أ- الحاجة إلى بديل للطائرات الفرنسية من طراز "ميراج" الموجودة حالياً في سلاح الجو المصري. وطائرة "رافال" تم تطويرها خصيصاً لكي تحل محل "ميراج"، وبالتالي فإن اقتناءها يمثل خطوة منطقية.
ب- الحاجة إلى طائرات مقاتلة متعددة الأدوار متفوّقة وذات قدرات عالية في ضوء الأوضاع المتغيرة بحدة، وبسرعة، في المنطقة، بما في ذلك احتمالات تدهور الوضع مع إثيوبيا، حيث منابع النيل وحيث يتم بناء سد النهضة الذي يشكل خطراً حقيقياً على مصر. وكان واضحاً أن الطائرات المصرية حالياً لا تمتلك قدرات جوية تسمح لها بالوصول بسهولة إلى إثيوبيا، إضافة إلى بروز خطر تعرض مضيق باب المندب لأعمال القرصنة أو ما شابه.
ج- بعد عرقلة الولايات المتحدة تنفيذ صفقة "اف ــ 16" (F-16 Block 50/52) الحديثة التي يحتاج إليها سلاح الجو المصري، كان لا بد من البحث عن مورّد آخر لا دوافع سياسية لديه تمنعه من إكمال الصفقة في اللحظة الأخيرة. وهنا تأتي فرنسا كخيار منطقي.
د- مواصفات طائرة "رافال" ــ كما ناقشنا مطوّلاً وبشكل مفصّل أعلاه ــ تتفوق على كل الأنواع المنافسة المحتملة.
تبرز أهمية مقاتلات "رافال" في قدرتها على تنفيذ عمليات جوية بعيدة المدى. فلو تمركز سرب من هذه الطائرات في قاعدة أبو سمبل الجوية في جنوبي مصر، لأمكنها تنفيذ عمليات دورية عند باب المندب، على بعد حوالى 1800 كيلومتر عن مطار أبو سمبل، أو تدخل المجال الجوي الإثيوبي وصولاً إلى منطقة مشروع سد النهضة، على بعد حوالى 1600 كيلومتر من مطار أبو سمبل، وفي الحالتين سيتم هذا من دون الحاجة إلى المرور حتى في الأجواء السودانية.
وإن اقتضت الحاجة إلى تنفيذ عمليات فوق الأراضي الليبية، فيمكن لهذه الطائرات إن وضعت في أي قاعدة جوية في غربي مصر أن تغطي كامل الأراضي الليبية وصولاً إلى الحدود الجزائرية. وهذا ما لا تستطيع القوات المصرية تنفيذه الآن بطائراتها من طراز "إف - 16"، القديمة نسبياً.
بأخذ هذه النقاط بعين الاعتبار، نجد أن القرار المصري بالتعاقد على طائرة "رافال" الفرنسية هو قرار سليم تماماً ولا غبار عليه. لماذا إذن انتقد البعض قرار القيادة العسكرية المصرية؟
محمد صالح الفتيح
الاخبار اللبنانية