حيّا «الحزب الاشتراكي اليمني» هروب الرئيس السابق لليمن، عبدربه
منصور هادي، من «الإقامة الجبرية»، واعتبر عودته إلى المشهد السياسي فرصة لنجاة
البلد من الانهيار! ويؤيد الحزب استمرار الحوار الوطني «خارج صنعاء». أه، طبعاً؛
فالعاصمة التي حررها الحوثيون من النفوذ الأميركي ــــ السعودي، لم تعد آمنة
بالنسبة لـ «الاشتراكيين» اليمنيين المنغمسين في التهليل للمظاهرات الاخوانية «المطالبة
بعودة الشرعية!».
شرعيّة من؟ شرعية السعودية التي طالما استبدّت بالسياسة اليمنية،
وحوّلت البلد إلى ميدان للفوضى والتخلف والجمود والوهابية والاخوان والقاعدة في ظل
الهيمنة الأميركية. وبالمناسبة، الحزب الاشتراكي اليمني ــــ الحزب «الماركسي»،
الحليف التاريخي للاتحاد السوفياتي، وجوهرة الحركة الشيوعية واليسارية العربية في
السبعينيات والثمانينيات ــــ لا يستحي من «دعوة المجتمع الدولي» للتدخل في اليمن!
لدينا، بالطبع، تحفظات عديدة، من موقع تقدمي، على أنصار الله. لكن، ما جوهري هو أن قوة الحوثيين، المتماسكة المقاومة الصاعدة، تنطوي على ثلاثة أبعاد تصبّ كلها في مصلحة حركة التحرر العربي. البعد الأول، يرتبط باستعادة استقلال اليمن والهوية الوطنية اليمنية وتحجيم الاخوان واستئصال الوهابية وتطهير البلاد من الإرهابيين. هذا الاتجاه من شأنه تحويل البلد إلى قوة إقليمية، والشروع في خطط تنموية تمنح هذا البلد المعذّب، فرصة للاستقرار والازدهار. والبعد الثاني يتعلّق بالصراع الإقليمي. فالاستقلال اليمني من شأنه أن يحدّ من النفوذ السعودي الرجعي في المنطقة كلها، وخصوصاً حين تغدو اليمن قادرة على استرداد المحافظات اليمنية المحتلّة (جيزان ونجران وعسير)، العام 1934، من قبل النسخة الأولى من «داعش» ــــ آل سعود. سيؤدي ذلك إلى لجم السعودية، وربما يحرّك ديناميات تفكيكها. وسيكون كل ذلك أهم ما يمكن أن يقدمه الحوثيون لحركة التحرر العربي، وخصوصاً للهلال الخصيب الذي طالما تلظّى، ولا يزال، بنار الحقد السعودي، من فلسطين إلى لبنان إلى العراق إلى سوريا. إن أي خطوة في اتجاه كبح الرجعية السعودية، هي خطوة في اتجاه نهوض الحركة التقدمية العربية؛ والبعد الثالث، يقع في صلب الصراع الدولي المحتدم من أجل الانتقال من القطبية الأحادية إلى عالم متعدد الأقطاب. ومن الواضح أن انتصار الحوثيين في اليمن سيمثّل انتصاراً جديداً لروسيا والصين وإيران، في مواجهة الغرب الاستعماري، ويعزّز الصمود السوري. وليس بلا معنى عميق أن تصطفّ روسيا المتحركة في وجه الهيمنة الأميركية ــــ الغربية، مع الحوثيين، وتوفّر لهم الغطاء اللازم في مجلس الأمن الدولي، في خطوة أولى نحو قيام تحالف بين الطرفين.
هذه هي الأبعاد الأساسية الحاكمة للموقف اليساري الصحيح من حركة الحوثيين. وهي لا تلغي، بالطبع، الخلافات الفكرية والاجتماعية ــــ السياسية، بين اليسار والحركة، ولكنها تؤيد الاتجاه نحو التحالف معهم من موقع نقدي، لا محاربتهم بالاستناد إلى الوهابيين والاخوان والسعودية و»المجتمع الدولي»، أي الامبريالية الغربية، وبحجة شعارات ليبرالية، تبطن حساسيات مذهبية وجهوية.
الصراع الرئيسي في اليمن تقوده قوتان، كلاهما لهما طابع ديني وعشائري: الاخوان والسلفيون والتكفيريون، ومن ورائهم السعودية والولايات المتحدة، من جهة، والحوثيون، ومن ورائهم ايران والمقاومة والروس؛ فأين يقف اليساري؟ يمكنه، بالطبع، أن يستنكف عن الخوض في حرب لا يراها حربه، ولكن، إذا كان يريد أن يحارب؛ فهل يقف في الخندق السعودي ــــ الأميركي؟
«الاشتراكي اليمني»، ويا للأسف، يعيش اللحظة الأخيرة من سقوطه التاريخي؛ إنما هي مأساة لها جذور قديمة. فقد شهدت الفترة بعد هزيمة 1967، تحوّل قوى ناصرية وقومية عربية، إلى «الماركسية»، إنما بعناصر أيديولوجية مختلطة من التروتسكية والغيفارية واليسراوية الأوروبية، خصوصا الإرهابية، والليبرالية والاشتراكية الديموقراطية، ما سمح لتلك القوى باجتذاب الفعاليات الشابة التي تغريها حرية الفوضى الايديولوجية. وبعد انقضاء الفترة «الثورية»، انتهت القومية ــــ الماركسية إلى ليبرالية غربية اصلاحية مطعّمة بنكهة يسارية، ولكنها فكّت ارتباطها، نهائياً، بأولويات التحرر الوطني والتنمية المستقلة والتقدم الاجتماعي، لصالح نظرة حقوقية إنسانوية، تتطابق، سياسياً، مع الأيديولوجية الامبريالية، المدعية الحرص على الحرية وحقوق الانسان كأداة دعائية لتحطيم الدول القومية.
باستثناء نسبي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، نلاحظ أن حزبها الأردني، وبقايا منظمة العمل الشيوعي في لبنان، والجبهة الديموقراطية، بفرعيها الفلسطيني والأردني، والقوميين ــــ المتمركسين في سوريا على اختلاف ألوانهم، والحزب الاشتراكي اليمني، أي عناصر الظاهرة الناصرية ــــ «الثورية» لما بعد 1967، بمجملها، تحوّلت، في الواقع، إلى أداة للرجعية العربية أو الوكالات الغربية الراعية للمنظمات غير الحكومية.
هذا المآل يشمل، أيضاً، أقساماً من الشيوعيين انضموا إلى الركب، وكونوا مع رفاقهم الناصريين ــــ المتمركسين، وليبراليين آخرين، تياراً هجيناً من «يسار» عربي بلا يسار ولا قومية؛ يتعاون بعضه مع السعودية، ويرى بعضه في قطر منارة ثقافية، ويعادي سوريا والمقاومة، باسم الحرية!
لدينا، بالطبع، تحفظات عديدة، من موقع تقدمي، على أنصار الله. لكن، ما جوهري هو أن قوة الحوثيين، المتماسكة المقاومة الصاعدة، تنطوي على ثلاثة أبعاد تصبّ كلها في مصلحة حركة التحرر العربي. البعد الأول، يرتبط باستعادة استقلال اليمن والهوية الوطنية اليمنية وتحجيم الاخوان واستئصال الوهابية وتطهير البلاد من الإرهابيين. هذا الاتجاه من شأنه تحويل البلد إلى قوة إقليمية، والشروع في خطط تنموية تمنح هذا البلد المعذّب، فرصة للاستقرار والازدهار. والبعد الثاني يتعلّق بالصراع الإقليمي. فالاستقلال اليمني من شأنه أن يحدّ من النفوذ السعودي الرجعي في المنطقة كلها، وخصوصاً حين تغدو اليمن قادرة على استرداد المحافظات اليمنية المحتلّة (جيزان ونجران وعسير)، العام 1934، من قبل النسخة الأولى من «داعش» ــــ آل سعود. سيؤدي ذلك إلى لجم السعودية، وربما يحرّك ديناميات تفكيكها. وسيكون كل ذلك أهم ما يمكن أن يقدمه الحوثيون لحركة التحرر العربي، وخصوصاً للهلال الخصيب الذي طالما تلظّى، ولا يزال، بنار الحقد السعودي، من فلسطين إلى لبنان إلى العراق إلى سوريا. إن أي خطوة في اتجاه كبح الرجعية السعودية، هي خطوة في اتجاه نهوض الحركة التقدمية العربية؛ والبعد الثالث، يقع في صلب الصراع الدولي المحتدم من أجل الانتقال من القطبية الأحادية إلى عالم متعدد الأقطاب. ومن الواضح أن انتصار الحوثيين في اليمن سيمثّل انتصاراً جديداً لروسيا والصين وإيران، في مواجهة الغرب الاستعماري، ويعزّز الصمود السوري. وليس بلا معنى عميق أن تصطفّ روسيا المتحركة في وجه الهيمنة الأميركية ــــ الغربية، مع الحوثيين، وتوفّر لهم الغطاء اللازم في مجلس الأمن الدولي، في خطوة أولى نحو قيام تحالف بين الطرفين.
هذه هي الأبعاد الأساسية الحاكمة للموقف اليساري الصحيح من حركة الحوثيين. وهي لا تلغي، بالطبع، الخلافات الفكرية والاجتماعية ــــ السياسية، بين اليسار والحركة، ولكنها تؤيد الاتجاه نحو التحالف معهم من موقع نقدي، لا محاربتهم بالاستناد إلى الوهابيين والاخوان والسعودية و»المجتمع الدولي»، أي الامبريالية الغربية، وبحجة شعارات ليبرالية، تبطن حساسيات مذهبية وجهوية.
الصراع الرئيسي في اليمن تقوده قوتان، كلاهما لهما طابع ديني وعشائري: الاخوان والسلفيون والتكفيريون، ومن ورائهم السعودية والولايات المتحدة، من جهة، والحوثيون، ومن ورائهم ايران والمقاومة والروس؛ فأين يقف اليساري؟ يمكنه، بالطبع، أن يستنكف عن الخوض في حرب لا يراها حربه، ولكن، إذا كان يريد أن يحارب؛ فهل يقف في الخندق السعودي ــــ الأميركي؟
«الاشتراكي اليمني»، ويا للأسف، يعيش اللحظة الأخيرة من سقوطه التاريخي؛ إنما هي مأساة لها جذور قديمة. فقد شهدت الفترة بعد هزيمة 1967، تحوّل قوى ناصرية وقومية عربية، إلى «الماركسية»، إنما بعناصر أيديولوجية مختلطة من التروتسكية والغيفارية واليسراوية الأوروبية، خصوصا الإرهابية، والليبرالية والاشتراكية الديموقراطية، ما سمح لتلك القوى باجتذاب الفعاليات الشابة التي تغريها حرية الفوضى الايديولوجية. وبعد انقضاء الفترة «الثورية»، انتهت القومية ــــ الماركسية إلى ليبرالية غربية اصلاحية مطعّمة بنكهة يسارية، ولكنها فكّت ارتباطها، نهائياً، بأولويات التحرر الوطني والتنمية المستقلة والتقدم الاجتماعي، لصالح نظرة حقوقية إنسانوية، تتطابق، سياسياً، مع الأيديولوجية الامبريالية، المدعية الحرص على الحرية وحقوق الانسان كأداة دعائية لتحطيم الدول القومية.
باستثناء نسبي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، نلاحظ أن حزبها الأردني، وبقايا منظمة العمل الشيوعي في لبنان، والجبهة الديموقراطية، بفرعيها الفلسطيني والأردني، والقوميين ــــ المتمركسين في سوريا على اختلاف ألوانهم، والحزب الاشتراكي اليمني، أي عناصر الظاهرة الناصرية ــــ «الثورية» لما بعد 1967، بمجملها، تحوّلت، في الواقع، إلى أداة للرجعية العربية أو الوكالات الغربية الراعية للمنظمات غير الحكومية.
هذا المآل يشمل، أيضاً، أقساماً من الشيوعيين انضموا إلى الركب، وكونوا مع رفاقهم الناصريين ــــ المتمركسين، وليبراليين آخرين، تياراً هجيناً من «يسار» عربي بلا يسار ولا قومية؛ يتعاون بعضه مع السعودية، ويرى بعضه في قطر منارة ثقافية، ويعادي سوريا والمقاومة، باسم الحرية!
ناهض
حتر
الاخبار اللبنانية