من
الجائز
أن الأمر انتهى. كما بدت الأمور أمس، يبدو أن الهدوء النسبي عاد
إلى
الحدود الشمالية. وحسب الرسائل المتبادلة بين إسرائيل و«حزب الله» منذ
ظهر
أول أمس، بوساطة قوات اليونيفيل والجيش اللبناني، فإن الجانبين يريان
في
هجوم «حزب الله» في سفوح جبل الشيخ الذي قتل فيه قائد سرية ومقاتل في
لواء
جفعاتي، أمرا منتهيا، على الأقل في الجولة الحالية.
والحوادث في الأسبوعين الأخيرين ـــ عملية الاغتيال المنسوبة لإسرائيل في الأراضي السورية، التي قتل فيها الجنرال الإيراني وستة من نشطاء «حزب الله»، إطلاق الصواريخ من سوريا إلى جبل الشيخ والجولان، وإطلاق صواريخ مضادة للدروع على قافلة جفعاتي ــ تشهد ربما على انتهاء مرحلة في الشمال. فبعد حرب لبنان الثانية صيف 2006 ساد هدوء نادر على الحدود، كان ينتهك في فترات متباعدة. وقد خرج الجانبان من تلك الحرب تَعِبَين، وبعدها فَضَّلا تجنب الصدام المباشر والتركيز على حلبات أخرى، فيما كانا يعدان نفسيهما لجولة ممكنة أخرى.
ولكن في السنة الأخيرة يحدث في الشمال أمر جديد. العاصفة الهائلة الجارية في سوريا منذ حوالي أربعة أعوام، تنزلق تدريجيا إلى خارج حدودها. ونتيجة لذلك تنشأ جبهات فرعية جديدة: «حزب الله» يرسل آلاف المقاتلين إلى سوريا لمساعدة نظام الأسد في معركته من أجل البقاء، وإسرائيل تعلن أنها ستعمل على إحباط انتقال قوافل السلاح من سوريا إلى «حزب الله» في لبنان، ومنظمات المعارضة السورية تسيطر بشكل دائم على معظم المنطقة الحدودية مع إسرائيل في الجولان، وبعض هذه المنظمات يقيم معها علاقات سرية، فيما إيران وحزب الله يتمركزان في الطرف الشمالي للحدود ذاتها بهدف استخدامها كقاعدة عمليات ضد إسرائيل في هضبة الجولان.
ونتيجة للاهتزازات نشأت لدى الأطراف شبكة معقدة من المصالح، جديدة جزئيا، تنزلق بين الحين والآخر إلى صدام موقت. لكن الهدوء المتواصل منذ 40 عاما في الجولان منذ حرب يوم الغفران 1973، وسبع سنوات في لبنان بعد 2006، مضى ولن يعود كما يبدو. ومنطقي أكثر توقع استمرار جولات الضربات المتناوبة، ضربة، رد فعل وضربة مضادة، بعدها تدور اتصالات محمومة عبر تدخلات دولية، في محاولة لمنع حرب شاملة.
والوضع في مثلث الحدود الشمالية يبدأ بتذكيرنا بقطاع غزة، التي شن فيها الجيش الإسرائيلي ثلاث عمليات كبرى على مدى خمس سنوات ونصف. ومع ذلك ثمة هنا فارق جوهري بين الحلبتين وهو يكمن بقوة الدمار المتبادل. وسواء في غزة أو الشمال، يملك الجيش الإسرائيلي تفوقا عسكريا بارزا على خصومه، لكن الضرر المحتمل إلحاقه بإسرائيل من قبل «حزب الله»، في الجبهة والجبهة الداخلية، أكبر بما لا يقاس من الضرر المحتمل إلحاقه بها من قبل حماس في الجنوب. وتبعا لذلك، فإن بوسع إسرائيل (ويبدو أنها ستضطر) لأن تضرب بشكل مكثف البنى التحتية المدنية الأكثر تقدما للدولة اللبنانية، إذا نشبت الحرب.
وهذه الوقائع تحصن ظاهريا ميزان الردع بين الطرفين، وتساعد في إبعاد الحرب. لكن بسبب أن الأمور تجري في المنطقة بشكل سريع جدا وغير متوقع، ومرارا من دون قصد صريح من الطرفين، فإن حربا مستقبلية في الشمال، في السنوات القريبة، لم تعد مجرد سيناريو متطرف وغير متوقع.
وحدة نخبتهم الأركانية
يوم الخميس، 15 كانون الثاني، بثت قناة المنار مقابلة مع الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله أشار فيها إلى مهاجمة قوافل السلاح التي ينسبها حزبه (والأسرة الدولية بأسرها) لإسرائيل. وقال إن الرد على الاستفزازات الإسرائيلية، «ربما يأتي في كل لحظة... فمحور المقاومة لن يصمت على كل هجوم في سوريا». وفي إسرائيل فسروا كلامه كتلميح على نية «حزب الله» استغلال الجولان لعمليات ثأرية، من منطلق الرغبة في تجنب التصعيد على الحدود اللبنانية التي يمكن أن يكون الرد الإسرائيلي بواسطتها شديدا في جنوب لبنان.
وفي الخلفية تراكمت معلومات استخبارية حول تحضيرات «حزب الله» والحرس الثوري الإيراني على الحدود. بنى تحتية جديدة، قوة نخبة من عشرات المقاتلين بقيادة جهاد مغنية، تم تدريبها على أعمال إرهابية معقدة نسبيا يريد التنظيمان استخدامها على حدود الجولان. وزعم هذا الأسبوع مسؤول كبير في المؤسسة الأمنية صاحب خبرة في العمليات الخاصة أن «هذه هي سييرت متكال خاصتهم» لا أقل. وكان يفترض أن تنفذ قوة مغنية عمليات معقدة من الجولان: إطلاق نيران قناصة وصواريخ مضادة للدروع متطورة، بل وحتى تنفيذ عمليات كوماندوس على موقع للجيش الإسرائيلي أو مستوطنة إسرائيلية. من المشكوك فيه أن تكون الخطط قد نضجت لتنفيذ عمليات فعلا، لكن في إسرائيل يزعمون أن البنى التحتية كانت قريبة للانتقال إلى مرحلة الفعل.
وبعد ثلاثة أيام تم قصف قافلة القادة وفيها مغنية، خمسة نشطاء ميدانيين مركزيين في البنية والجنرال الإيراني. وجاء رد «حزب الله» أسرع من المعهود عنده ـــ تسعة أيام قبل إطلاق كاتيوشا قصيرة المدى في الجولان، يوم آخر لكمين المضاد للدروع لقافلة دفعاتي قرب قرية غجر. والميزان المرحلي قد يبدو إيجابيا بالإجمال: إسرائيل (حسب منشورات أجنبية) وجهت ضربة استراتيجية للقيادة الجديدة للبنية الإرهابية في الجولان. في الرد، تلقت ضربة تكتيكية في القافلة. صحيح وقعت ضحايا في الأرواح، لكن إسرائيل مستعدة لضبط نفسها من أجل استعادة الهدوء.
وتنبغي الإشارة إلى أن هذه نظرة عبر مصفاة وردية جدية لما جرى. طوال عشرة أيام حافظ الجيش الإسرائيلي على حالة تأهب قصوى ورغم ذلك تلقى ضربة مترافقة بإصابات. والتصعيد والثمن يثيران مرة أخرى تساؤلات عما إذا كانت العملية في 18 كانون الثاني مبررة وإذا لم يكن بالوسع تجنبها، بالنظر لتهديدات نصر الله وبوجود الجنرال الإيراني في القافلة.
وفي ساعات ما بعد كمين مضاد الدروع، تعاطت وسائل الإعلام الإسرائيلية مطولا مع بعدين مركزيين: شدة الهجوم المضاد الإسرائيلي (عدد من مذيعي التلفزيون بالغوا في وصف ما جرى على أرض لبنان) وإرسال جنود في عربة غير مدرعة، إلى مزارع شبعا. عمليا، رد الجيش الإسرائيلي على الكمين كان هامشيا وأوضح لـ«حزب الله» من المراحل الأولى، قبيل تبادل الرسائل السياسية، أن وجهة إسرائيل هي احتواء التوتر. وبشأن القافلة، فإن سيارات الجيب المحصنة ضد الإطلاقات لا تصمد في معظم الحالات أمام صواريخ مضادة للدروع مثل الكورنيت. والأسئلة الواجب فحصها هي، هل في ضوء التوتر وواقع أن القطاع مهدد جدا كانت هناك حاجة لإرسال خمس عربات في طريق مكشوف جزئيا لـ«حزب الله» وهل تم بشكل مناسب تحليل خطوط الرؤية من لبنان وقوس مدى النيران من لبنان، في ضوء الانذارات بشأن إطلاق مضادات دروع في المنطقة. فعندما تتوفر إنذارات فورية للضرب على الحدود، فإن الميل هو تقليل التحركات لتقليل التعرض للإصابة. بكلمات أخرى، يبدو أن الجيش الإسرائيل وضع هنا أهدافا مريحة جدا لـ«حزب الله»، في مهمة ربما لم تكن حيوية جدا له.
لقد تحدث نصر الله أمس (الجمعة) لأول مرة منذ الاغتيال في سوريا ورد «حزب الله» في سفوح مزارع شبعا. في خطاب ألقاه في بيروت في مهرجان لذكرى القتلى في عملية الاغتيال قرب القنيطرة قال إن «من حقنا الشرعي والقانوني أن نواجه العدوان أيا كان هذا العدوان وفي أي زمان وأي مكان وكيفما كان. انتهت لعبة أنتم تهاجمون ونحن نرد. اننا الآن في قواعد لعب أخرى». وضمن اعتباراته، في قرار الرد بشكل محدود ومركز في قاطع يسميه «مزارع شبعا»، لعب دورا مركزيا ما يحدث إلى الشمال من ذلك، على حدود سوريا مع البقاع اللبناني. في الشهور الأخيرة نشر حزب الله شبكة مواقع، تشبه مواقع الجيش الإسرائيلي في طابعها، بهدف تحصين السيطرة على الحركة من سوريا وإليها. لكن «حزب الله» يخشى أن خصومه، من المنظمات السنية المتطرفة، سيعملون ضده بحركة كماشة من الأراضي السورية، جنوبا وشمالا، إلى لبنان. وهذه هي المعركة المباشرة المنزعج منها، لا أقل من المواجهة مع إسرائيل.
في كلام التهدئة السريع من الجانب الإسرائيلي بعد العملية أمس الأول، قيل مرارا وتكرارا إن «حزب الله» يسعى لإنهاء جولة الضربات الحالية والعودة إلى الهدوء. أما ما لم يذكر أبدا، فهو دور إيران في المعادلة. فقد ضاءلت طهران نسبيا من إظهار قضية الجنرال في الجولان، لكن هذا لا يعني أن الحساب مقفل من ناحية الإيرانيين. فردهم على اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» عباس الموسوي العام 1992، في الهجمتين في الأرجنتين، امتد على مدى عامين. وهذه المرة، إذا ما طارت سفارة إسرائيلية في مكان ما في أميركا الجنوبية بعد شهور عدة، يمكن حينها التقدير من سقف خلف العملية، حتى إذا لم يعلن أحد مسؤوليته عن ذلك.
ورغم الهدنة البادية في الشمال، تحسن رؤية الأمور بوعي. ما بدأ بالإغارة على قوافل الأسلحة وإطلاق الكاتيوشا ردا على ذلك، تدهور حاليا لاغتيالات قادة في سوريا وكمائن في مزارع شبعا. ويبدو أن نقطة التصعيد المقبلة ستبدأ في مكان انتهاء التصعيد الحالي، ربما بعد أسابيع أو شهور. ومن الجائز إجرائيا حتى إذا كان الاغتيال أسكت قيادة بنية «حزب الله» في سوريا، فإنه عمليا عزز رغبة المعسكر الراديكالي بقيادة إيران لفتح الجولان ومزارع شبعا للمواجهة المستقبلية.
وحتى الآن فاقت المصلحة الاستراتيجية للطرفين على الاعتبارات الأخرى ومنعت التدهور، لكن لا ينبغي تجاهل احتمال انفجار حرب في الشمال لاحقا في ضوء تراكم العوامل المتفجرة في المنطقة. أحد الأبعاد المزعجة، بنظرة مستقبلية، يتعلق بالعلاقات الأميركية الإسرائيلية التي حرص رئيس الحكومة في الأسابيع الأخيرة على تخريبها بخطابه المخطط له في الكونغرس.
في كل حال تصعيد في الشمال، سوف تحتاج إسرائيل إلى سند أميركي قوي، سواء دبلوماسيا أو لتزويدها بالأسلحة وقطع الغيار. في الحرب الأخيرة في غزة أثبتت إدارة أوباما أنها قادرة على التعامل ببطء مثير للغضب في نقل المساعدة المطلوبة عندما لا يكون سلوك إسرائيل مريحا لها. في سيناريو حربي في الشمال، هذا قد يخلق مشكلة عسيرة.
عاموس هارئيل
«هآرتس» 30-1-2015
والحوادث في الأسبوعين الأخيرين ـــ عملية الاغتيال المنسوبة لإسرائيل في الأراضي السورية، التي قتل فيها الجنرال الإيراني وستة من نشطاء «حزب الله»، إطلاق الصواريخ من سوريا إلى جبل الشيخ والجولان، وإطلاق صواريخ مضادة للدروع على قافلة جفعاتي ــ تشهد ربما على انتهاء مرحلة في الشمال. فبعد حرب لبنان الثانية صيف 2006 ساد هدوء نادر على الحدود، كان ينتهك في فترات متباعدة. وقد خرج الجانبان من تلك الحرب تَعِبَين، وبعدها فَضَّلا تجنب الصدام المباشر والتركيز على حلبات أخرى، فيما كانا يعدان نفسيهما لجولة ممكنة أخرى.
ولكن في السنة الأخيرة يحدث في الشمال أمر جديد. العاصفة الهائلة الجارية في سوريا منذ حوالي أربعة أعوام، تنزلق تدريجيا إلى خارج حدودها. ونتيجة لذلك تنشأ جبهات فرعية جديدة: «حزب الله» يرسل آلاف المقاتلين إلى سوريا لمساعدة نظام الأسد في معركته من أجل البقاء، وإسرائيل تعلن أنها ستعمل على إحباط انتقال قوافل السلاح من سوريا إلى «حزب الله» في لبنان، ومنظمات المعارضة السورية تسيطر بشكل دائم على معظم المنطقة الحدودية مع إسرائيل في الجولان، وبعض هذه المنظمات يقيم معها علاقات سرية، فيما إيران وحزب الله يتمركزان في الطرف الشمالي للحدود ذاتها بهدف استخدامها كقاعدة عمليات ضد إسرائيل في هضبة الجولان.
ونتيجة للاهتزازات نشأت لدى الأطراف شبكة معقدة من المصالح، جديدة جزئيا، تنزلق بين الحين والآخر إلى صدام موقت. لكن الهدوء المتواصل منذ 40 عاما في الجولان منذ حرب يوم الغفران 1973، وسبع سنوات في لبنان بعد 2006، مضى ولن يعود كما يبدو. ومنطقي أكثر توقع استمرار جولات الضربات المتناوبة، ضربة، رد فعل وضربة مضادة، بعدها تدور اتصالات محمومة عبر تدخلات دولية، في محاولة لمنع حرب شاملة.
والوضع في مثلث الحدود الشمالية يبدأ بتذكيرنا بقطاع غزة، التي شن فيها الجيش الإسرائيلي ثلاث عمليات كبرى على مدى خمس سنوات ونصف. ومع ذلك ثمة هنا فارق جوهري بين الحلبتين وهو يكمن بقوة الدمار المتبادل. وسواء في غزة أو الشمال، يملك الجيش الإسرائيلي تفوقا عسكريا بارزا على خصومه، لكن الضرر المحتمل إلحاقه بإسرائيل من قبل «حزب الله»، في الجبهة والجبهة الداخلية، أكبر بما لا يقاس من الضرر المحتمل إلحاقه بها من قبل حماس في الجنوب. وتبعا لذلك، فإن بوسع إسرائيل (ويبدو أنها ستضطر) لأن تضرب بشكل مكثف البنى التحتية المدنية الأكثر تقدما للدولة اللبنانية، إذا نشبت الحرب.
وهذه الوقائع تحصن ظاهريا ميزان الردع بين الطرفين، وتساعد في إبعاد الحرب. لكن بسبب أن الأمور تجري في المنطقة بشكل سريع جدا وغير متوقع، ومرارا من دون قصد صريح من الطرفين، فإن حربا مستقبلية في الشمال، في السنوات القريبة، لم تعد مجرد سيناريو متطرف وغير متوقع.
وحدة نخبتهم الأركانية
يوم الخميس، 15 كانون الثاني، بثت قناة المنار مقابلة مع الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله أشار فيها إلى مهاجمة قوافل السلاح التي ينسبها حزبه (والأسرة الدولية بأسرها) لإسرائيل. وقال إن الرد على الاستفزازات الإسرائيلية، «ربما يأتي في كل لحظة... فمحور المقاومة لن يصمت على كل هجوم في سوريا». وفي إسرائيل فسروا كلامه كتلميح على نية «حزب الله» استغلال الجولان لعمليات ثأرية، من منطلق الرغبة في تجنب التصعيد على الحدود اللبنانية التي يمكن أن يكون الرد الإسرائيلي بواسطتها شديدا في جنوب لبنان.
وفي الخلفية تراكمت معلومات استخبارية حول تحضيرات «حزب الله» والحرس الثوري الإيراني على الحدود. بنى تحتية جديدة، قوة نخبة من عشرات المقاتلين بقيادة جهاد مغنية، تم تدريبها على أعمال إرهابية معقدة نسبيا يريد التنظيمان استخدامها على حدود الجولان. وزعم هذا الأسبوع مسؤول كبير في المؤسسة الأمنية صاحب خبرة في العمليات الخاصة أن «هذه هي سييرت متكال خاصتهم» لا أقل. وكان يفترض أن تنفذ قوة مغنية عمليات معقدة من الجولان: إطلاق نيران قناصة وصواريخ مضادة للدروع متطورة، بل وحتى تنفيذ عمليات كوماندوس على موقع للجيش الإسرائيلي أو مستوطنة إسرائيلية. من المشكوك فيه أن تكون الخطط قد نضجت لتنفيذ عمليات فعلا، لكن في إسرائيل يزعمون أن البنى التحتية كانت قريبة للانتقال إلى مرحلة الفعل.
وبعد ثلاثة أيام تم قصف قافلة القادة وفيها مغنية، خمسة نشطاء ميدانيين مركزيين في البنية والجنرال الإيراني. وجاء رد «حزب الله» أسرع من المعهود عنده ـــ تسعة أيام قبل إطلاق كاتيوشا قصيرة المدى في الجولان، يوم آخر لكمين المضاد للدروع لقافلة دفعاتي قرب قرية غجر. والميزان المرحلي قد يبدو إيجابيا بالإجمال: إسرائيل (حسب منشورات أجنبية) وجهت ضربة استراتيجية للقيادة الجديدة للبنية الإرهابية في الجولان. في الرد، تلقت ضربة تكتيكية في القافلة. صحيح وقعت ضحايا في الأرواح، لكن إسرائيل مستعدة لضبط نفسها من أجل استعادة الهدوء.
وتنبغي الإشارة إلى أن هذه نظرة عبر مصفاة وردية جدية لما جرى. طوال عشرة أيام حافظ الجيش الإسرائيلي على حالة تأهب قصوى ورغم ذلك تلقى ضربة مترافقة بإصابات. والتصعيد والثمن يثيران مرة أخرى تساؤلات عما إذا كانت العملية في 18 كانون الثاني مبررة وإذا لم يكن بالوسع تجنبها، بالنظر لتهديدات نصر الله وبوجود الجنرال الإيراني في القافلة.
وفي ساعات ما بعد كمين مضاد الدروع، تعاطت وسائل الإعلام الإسرائيلية مطولا مع بعدين مركزيين: شدة الهجوم المضاد الإسرائيلي (عدد من مذيعي التلفزيون بالغوا في وصف ما جرى على أرض لبنان) وإرسال جنود في عربة غير مدرعة، إلى مزارع شبعا. عمليا، رد الجيش الإسرائيلي على الكمين كان هامشيا وأوضح لـ«حزب الله» من المراحل الأولى، قبيل تبادل الرسائل السياسية، أن وجهة إسرائيل هي احتواء التوتر. وبشأن القافلة، فإن سيارات الجيب المحصنة ضد الإطلاقات لا تصمد في معظم الحالات أمام صواريخ مضادة للدروع مثل الكورنيت. والأسئلة الواجب فحصها هي، هل في ضوء التوتر وواقع أن القطاع مهدد جدا كانت هناك حاجة لإرسال خمس عربات في طريق مكشوف جزئيا لـ«حزب الله» وهل تم بشكل مناسب تحليل خطوط الرؤية من لبنان وقوس مدى النيران من لبنان، في ضوء الانذارات بشأن إطلاق مضادات دروع في المنطقة. فعندما تتوفر إنذارات فورية للضرب على الحدود، فإن الميل هو تقليل التحركات لتقليل التعرض للإصابة. بكلمات أخرى، يبدو أن الجيش الإسرائيل وضع هنا أهدافا مريحة جدا لـ«حزب الله»، في مهمة ربما لم تكن حيوية جدا له.
لقد تحدث نصر الله أمس (الجمعة) لأول مرة منذ الاغتيال في سوريا ورد «حزب الله» في سفوح مزارع شبعا. في خطاب ألقاه في بيروت في مهرجان لذكرى القتلى في عملية الاغتيال قرب القنيطرة قال إن «من حقنا الشرعي والقانوني أن نواجه العدوان أيا كان هذا العدوان وفي أي زمان وأي مكان وكيفما كان. انتهت لعبة أنتم تهاجمون ونحن نرد. اننا الآن في قواعد لعب أخرى». وضمن اعتباراته، في قرار الرد بشكل محدود ومركز في قاطع يسميه «مزارع شبعا»، لعب دورا مركزيا ما يحدث إلى الشمال من ذلك، على حدود سوريا مع البقاع اللبناني. في الشهور الأخيرة نشر حزب الله شبكة مواقع، تشبه مواقع الجيش الإسرائيلي في طابعها، بهدف تحصين السيطرة على الحركة من سوريا وإليها. لكن «حزب الله» يخشى أن خصومه، من المنظمات السنية المتطرفة، سيعملون ضده بحركة كماشة من الأراضي السورية، جنوبا وشمالا، إلى لبنان. وهذه هي المعركة المباشرة المنزعج منها، لا أقل من المواجهة مع إسرائيل.
في كلام التهدئة السريع من الجانب الإسرائيلي بعد العملية أمس الأول، قيل مرارا وتكرارا إن «حزب الله» يسعى لإنهاء جولة الضربات الحالية والعودة إلى الهدوء. أما ما لم يذكر أبدا، فهو دور إيران في المعادلة. فقد ضاءلت طهران نسبيا من إظهار قضية الجنرال في الجولان، لكن هذا لا يعني أن الحساب مقفل من ناحية الإيرانيين. فردهم على اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» عباس الموسوي العام 1992، في الهجمتين في الأرجنتين، امتد على مدى عامين. وهذه المرة، إذا ما طارت سفارة إسرائيلية في مكان ما في أميركا الجنوبية بعد شهور عدة، يمكن حينها التقدير من سقف خلف العملية، حتى إذا لم يعلن أحد مسؤوليته عن ذلك.
ورغم الهدنة البادية في الشمال، تحسن رؤية الأمور بوعي. ما بدأ بالإغارة على قوافل الأسلحة وإطلاق الكاتيوشا ردا على ذلك، تدهور حاليا لاغتيالات قادة في سوريا وكمائن في مزارع شبعا. ويبدو أن نقطة التصعيد المقبلة ستبدأ في مكان انتهاء التصعيد الحالي، ربما بعد أسابيع أو شهور. ومن الجائز إجرائيا حتى إذا كان الاغتيال أسكت قيادة بنية «حزب الله» في سوريا، فإنه عمليا عزز رغبة المعسكر الراديكالي بقيادة إيران لفتح الجولان ومزارع شبعا للمواجهة المستقبلية.
وحتى الآن فاقت المصلحة الاستراتيجية للطرفين على الاعتبارات الأخرى ومنعت التدهور، لكن لا ينبغي تجاهل احتمال انفجار حرب في الشمال لاحقا في ضوء تراكم العوامل المتفجرة في المنطقة. أحد الأبعاد المزعجة، بنظرة مستقبلية، يتعلق بالعلاقات الأميركية الإسرائيلية التي حرص رئيس الحكومة في الأسابيع الأخيرة على تخريبها بخطابه المخطط له في الكونغرس.
في كل حال تصعيد في الشمال، سوف تحتاج إسرائيل إلى سند أميركي قوي، سواء دبلوماسيا أو لتزويدها بالأسلحة وقطع الغيار. في الحرب الأخيرة في غزة أثبتت إدارة أوباما أنها قادرة على التعامل ببطء مثير للغضب في نقل المساعدة المطلوبة عندما لا يكون سلوك إسرائيل مريحا لها. في سيناريو حربي في الشمال، هذا قد يخلق مشكلة عسيرة.
عاموس هارئيل
«هآرتس» 30-1-2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق