جراهام فولر الذي شغل لسنوات منصب رئيس قسم البحوث والتخطيط في وكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي أي»، والذي لا تزال كبريات الصحف الأميركية تتعامل مع تحليلاته وتوقعاته ونصائحه باستخدام وصف «كبير محللي سي آي أي»، يشتغل كأكاديمي وناشر، لكن ما ينشره يصل بصيغة مفصّلة ومضافة ومنقحة مع خلفيات ومقترحات ونصائح إلى كلّ من وكالة الاستخبارات والبيت الأبيض.
فولر نشر أمس على مدوّنته توقعاته لعام 2015، بادئاً بالقول إنّ الأحمق فقط يدّعي التوقع للمدى الطويل، وإنّ ما يقصده بتوقعاته للعام الجديد، هي استنتاجات تحليلية مبنية على وقائع السنوات المنصرمة، والمكانة المفصلية لهذا العام التي لا تسمح بتقادم الأمر الواقع، فثمة اتجاهات حاسمة سترسم مع عام الخروج التاريخي من أفغانستان.
فولر نشر أمس على مدوّنته توقعاته لعام 2015، بادئاً بالقول إنّ الأحمق فقط يدّعي التوقع للمدى الطويل، وإنّ ما يقصده بتوقعاته للعام الجديد، هي استنتاجات تحليلية مبنية على وقائع السنوات المنصرمة، والمكانة المفصلية لهذا العام التي لا تسمح بتقادم الأمر الواقع، فثمة اتجاهات حاسمة سترسم مع عام الخروج التاريخي من أفغانستان.
يبدأ فولر توقعاته بمستقبل «دولة داعش» التي يراها إلى زوال ليس بداعي الحرب والغارات التي يشنها الغرب على مواقع قوات «داعش»، ولا بسبب قوة ومتانة وفعالية التحالف الذي بنته واشنطن وتقوده، بل لثلاثة أسباب أخرى يدعو فولر للاستثمار عليها وتطويرها وهي، أنّ «داعش» ستشهد المزيد من مؤشرات الانخفاض في القدرة والنفوذ، لأنها كيان غير قابل للحياة كدولة، وذلك لأنها تفتقر إلى أي أيديولوجية متماسكة وظيفية، أي كيفية بناء مؤسسات سياسية واجتماعية فعّالة، أي عملية القيادة الإدارية لشؤون الناس بصورة تجلب لهم المكاسب سواء في مجال منسوب الحرية أو مجال الرفاه وتخفيض أكلاف العيش، وهذا هو اختبار القدرة على التعامل مع المجتمع والخدمات اللوجستية المفصلة للحكم، أما السبب الثاني برأي فولر فهو أنّ كيان «داعش» أظهر أنه لا يملك أي فرصة لإقامة علاقات بين دولة ودولة في المنطقة، والتنافر مع مناطق سيطرة «جبهة النصرة»، والعجز عن إقامة أهداف سياسية واقعية تسمح لكيان مثل سيطرة حماس في غزة بالتفكير بالتواصل مع كيان «داعش» أو كيان مثل طالبان في أفغانستان بفعل ذلك، كلها دلائل على عزلة إنطوائية مسبّبة للفشل، تشبه إلى حدّ كبير حال حكم الخمير الحمر لكمبوديا، أما السبب الثالث وفقاً لفولر فهو أنّ ظهور «داعش» وما تلاه من ممارسات أدّت إلى عزل غالبية المسلمين السنة في العالم، بغضّ النظر عن عدم الرضا العميقة بين السنة في العراق وسورية، سيرتب ردّ فعل معاكساً للتعبئة التطوّعية التي يقوم بها مناصرو «داعش» في الخارج، وسيكون للرأي العام الإسلامي أشكال الدفاع عن حضوره وصورته في وجه ما يتسبّب به سلوك «داعش» بجعل الحرب معها حرب المسلمين السنة رداً للأذى ودفاعاً عن المصالح الحيوية، ومن الناحية المثالية يجب أن تفشل دولة «داعش» وتقع من تلقاء نفسها، وهنا يرى فولر أنّ تعظيم وتضخيم الدور الغربي في الحرب له نتائج عكسية، خصوصاً أنّ صورة الغزو والتدخل تعزز في بعض وسائل ادّعاءاتها الأيديولوجية فقط، ولذلك فإنّ الحرب تحتاج إلى فشل واضح لدولة «داعش» من تلقاء نفسها وفي عيون المسلمين في المنطقة، وهنا دور أميركي مطلوب في مصالحة تركية ـ إيرانية هي الأقدر على تمثيل الوجدان الإسلامي الرافض للإرهاب.
التوقع الثاني لفولر هو تراجع مكانة وشعبية وبالتالي مستقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الغارق في اتهامات بالفساد والملاحق بالانتقادات بجنون العظمة بسبب عدم قدرته على تحمّل جميع الذين ينتقدونه، ورفضه لكلّ معارضة له يبدو سلوكاً غير عقلاني على نحو متزايد، ويقول فولر إنّ ما قام به أردوغان في القضاء والجيش والإدارة هو عملية إتلاف المؤسسات وتدمير له ولإرث حزبه، وعلى رغم وجوه السيطرة الراهنة فهي برأي فولر سيطرة واهنة، ويقول: أنا ما زلت أؤمن أنّ المؤسسات التركية أوسع، وعلى رغم الضعف الذي ألحقه بها أردوغان فقد بقي ما يكفي لإبقاء البلد على المسار الديمقراطي في الأساس وعبر تحولات غير عنيفة حتى يحين الوقت الذي تظهر نتائج رهانات متسرّعة وخطيرة ومصيرية ربط بها أردوغان مستقبل بلده، وصار واجباً أن يتنحّى لتستمرّ السياسة بصورة طبيعية، وبعدما فقد أردوغان الثقة بقدرته على إنعاش الاقتصاد صار رحيله منطقياً ويمكن أن يكون عاجلاً وليس آجلاً.
التوقع الثالث لفولر كبير محللي «سي آي أي» يتصل بإيران، فدور إيران كعنصر فاعل في المنطقة سوف ينمو، وعلى رغم كلّ العقبات، فولر متفائل في شأن المفاوضات الأميركية مع إيران، فكلّ من الطرفين يحتاج النجاح في هذا الصدد بصورة لا تحتمل التسويف، والتطبيع الذي طال انتظاره بينهما ضروري للنظام الإقليمي. وعلاوة على ذلك، إيران وتركيا، اثنتان فقط من الحكومات «الحقيقية» في المنطقة وتقومان على أساس نوع من الشرعية الشعبية، وهاتان الدولتان برأي فولر تعبّران عن العديد من تطلعات شعوب المنطقة وتتقاسمان ولاءها، لذلك ستضطر دول الخليج إلى استيعاب نفسها على واقع التطبيع مع إيران، فعلى رغم كلّ صرخات الضجيج الحربية العرضية التي صدرت منها دورياً على مدى القرن الماضي. تبقى إيران هي القوة الضامنة للاستقرار في المنطقة بحجم مواردها وقدراتها، مع رؤية لمنطقة الشرق الأوسط ذات سيادة حقاً تلبّي تطلعات الشعوب العربية، لذلك فإنّ نفوذ إيران سينمو في المنطقة في دعم متزايد للتحديات الإقليمية لجهود «إسرائيل» لإبقاء الفلسطينيين تحت السيطرة الدائمة، وسيكون من الغباء تحوّل هذا النفوذ إلى سبب للتوتر بدلاً من احتوائه ضمن تطبيع هادف للاستقرار.
أما التوقع الرابع لفولر فهو أنّ روسيا سوف تلعب دوراً رئيسياً في الترتيبات الديبلوماسية في الشرق الأوسط، وهو عامل إيجابي في شكل عام كما يراه كبير محللي «سي آي أي»، مشيراً إلى قدرة روسيا على لعب دور ديبلوماسي وتقني أساسي في حلّ القضية النووية في إيران، وصوتاً مهماً ومزيداً من النفوذ في سورية تمثل مساهمات كبيرة في حلّ هذه الصراعات، لملفين اثنين من الملفات ذات الأولوية العالية، والمخاطر العالية التي تؤثر على المنطقة بأكملها. ومن الضروري أن يجري قبول وتشجيع دور روسيا بدلاً من النظر إليه على أنه مجرّد بعض أشكال المواجهة العالمية الجديدة بعد الحرب الباردة في عيون الغرب، والتي تحمل الكثير من المسؤولية على موسكو عن توتر هو نتيجة لإصرار الغرب على استفزاز موسكو، كالحديث عن علاقة حلف شمال الأطلسي مع أوكرانيا. ويتساءل فولر: هل يمكنك تخيّل ردّ الفعل الأميركي على معاهدة أمنية بين المكسيك والصين، إذا شملت تمركز الأسلحة والقوات الصينية على الأراضي المكسيكية؟
ويختم فولر توقعاته بطالبان التي ستتقدم نحو اكتساب السلطة داخل الحكومة الأفغانية. بعد 13 عاماً من الحرب في أفغانستان حيث فشلت الولايات المتحدة في تحقيق الاستقرار في البلاد ككلّ، كما يقول، أو للقضاء على طالبان كعامل رئيسي في معادلة السلطة الوطنية. فطالبان برأيه أكثر بكثير من الحركة الإسلامية، ويجب النظر إليها تعبيراً عن سلطة البشتون القومية داخل أفغانستان وإن لم تكن مقبولة على هذا النحو من قبل جميع البشتون . فقد خسر البشتون كثيراً عندما أطيح بحكومة طالبان من قبل الولايات المتحدة في عام 2001، ومشاركة طالبان داخل الحكومة الجديدة أمر ضروري لاستقرار الأفغاني في المستقبل. وستسعى طالبان إلى تعزيز قوتها على الأرض هذا العام من أجل تعزيز مكانتها في أي مفاوضات مستقبلية محتملة حول تقاسم السلطة، بينما يبدو الاستقرار في أفغانستان وكذلك الاستقرار كحاجة ماسة في باكستان معتمداً أيضاً جزئياً على مثل هذه التسوية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق