إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 19 يناير 2015

العدوان الصهيوني على القنيطرة و أزمة الخيارات.

ليست مجرد فرصة ميدانية سنحت للعدو الصهيوني برصد قيادة عسكرية هامة بحزب الله (الشهيد محمد عيسى)، أو رمز معنوي (الشهيد جهاد ابن الشهيد القائد عماد مغنية)، ومن ثم قام بالهجوم اقتناصا للفرصة، بل الأرجح أنه هجوم تقرر سلفا داخل سياق من الأحداث، وصدرت الأوامر لقيادة المنطقة العسكرية الشمالية بإسرائيل بتحين الفرصة المناسبة له، فتم الرصد ومن ثم تحركت المروحيات (من قاعدة رامات ديفيد على الأرجح) وقامت بالهجوم الصاروخي. فما هو السياق؟ وما هي أزمة الخيارات والمحاذير الناتجة عن العدوان؟ 

سياق الهجوم وتحول "فرضية القنيطرة" إلى عدوان فعلي
يبدأ السياق من التطورات الميدانية في سوريا، حيث تقدم الجيش العربي السوري ميدانيا في السيطرة على ريف حلب وإدلب والرقة (شمالا)، بعد المعارك الناجعة في حمص وريف دمشق، وأصبحت الجماعات المسلحة شبه محاصرة بعد قطع العديد من خطوط إمدادها الشمالية عبر الحدود مع تركيا. وهو الوضع الذي ينذر (من وجهة نظر الصهيوني) بانتهاء مرحلة الخطر في معركة لا يريد لها أن تنتهي. خاصة والجماعات المسلحة لا تنتهي من الاشتباك فيما بينها على مناطق النفوذ و"استحقاقات التمويل"!! هذا هو الوضع الذي عبر عنه السيد "حسن نصر الله" في حواره على قناة الميادين في ١٥ يناير (كانون الثاني) الجاري، بأن لعبة "إسقاط النظام" في سوريا قد انتهت.

في نفس الحوار أشار الأمين العام لما أسماه "فرضية العدوان على المثلث الحدودي" ويعني به الحدود اللبنانية - السورية مع فلسطين المحتلة، وذكر مناطق شبعا اللبنانية والقنيطرة السورية تحديدا. بعد أن ذكر أن العدوان على سوريا يعطي الحق لمحور المقاومة في الرد في الوقت والمكان الذي يحدده. فهل كان ذكر فرضية العدوان - ومن ثم التهديد بالرد - مؤسسا على معلومات؟ حيث يتجاوز التقارب الزمني والإشارة المباشرة لفرضية العدوان على القنيطرة الحد المعقول للمصادفات؟ أم كان مؤسسا - بالحد الأدنى - على تقدير تكتيكية العدو في تشتيت الانتباه عن معارك حاسمة يُعَدُ لها في الجبهة الشمالية بتسخين الجبهة الجنوبية الغربية في القنيطرة؟

في اليوم التالي مباشرة، الجمعة ١٦ يناير (كانون ثاني) أشار "أوباما" في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" للملف النووي الإيراني، ذاكرا أن واشنطن لن تسمح بالعدوان على إسرائيل، حيث يؤدي السماح بالعدوان لحرب نووية وفقا لقوله. ومغزى قوله أن الكيان الصهيوني لا يقف منفردا في معادلة الردع التي تحدث عنها الأمين العام أمام محور المقاومة! ثم يأتي الهجوم الصهيوني في يوم بداية استئناف مفاوضات إيران مع مجموعة الخمسة زائد واحد! كأن إسرائيل تعلن مقدما أنها غير ملتزمة بنتائج المفاوضات التي تستهدف الوصول إلى تسوية في مارس (آذار) المقبل! وأنها مستعدة لدحرجة الكرة، ولتوريط السياسة الأمريكية رغم التسوية المرتقبة، سيما وقد حصلت على التأكيد سالف الذكر قبل يومين!     

هل للعدوان علاقة بالانتخابات في إسرائيل؟
أختلف مع من رددوا بالأمس كلاما عن لعب "نتنياهو" بتلك الغارة كورقة تلمع صورته الانتخابية، لأن المغامرة أكبر من هذا، ورد الفعل المحتمل عليها قد يكون له أثر سلبي على الانتخابات. الشارع الصهيوني هو جمهور "المرابي الرابح دائما" وليس جمهور "الكاوبوي المغامر" كالشارع الأمريكي. ومن يربطون العدوان بالانتخابات داخل الكيان الصهيوني نفسه - وبعضهم جنرالات سابقين - هم من أحزاب المعارضة التي توجه هذا الاتهام للنيل من "نتنياهو"، وتلك المزايدة بحد ذاتها دليل نفي أكثر منها دليل إثبات للعلاقة بالانتخابات في مارس (آذار) المقبل.

أزمة الخيارات
نعم، تحدث الأمين العام أنه لا يتعهد بالرد على أي خروقات خشية استدراجه في معركة وفقا للمكان والزمان الذي يحدده العدو. لكننا هنا لا نتحدث عن اختراق جوي أو بحري عشوائي، ولكن عن استهداف صاروخي لقائد ميداني من الصف الأول، ولنجل القائد التاريخي الشهيد "عماد مغنية". الأمر ليس تحديا لمبدأ السيادة كالمعتاد ولكنه تحدي لاستراتيجية الردع وبعد ثلاثة أيام من الحديث الذي تناول هذا الاحتمال! وهو ما يجعل الحزب في حالة ملحة لرد قوي. ولكن أي نوع من الرد؟ هنا تكمن أزمة الخيارات! فلدينا احتمالات ثلاثة:
(١) الرد بعمليات نوعية في مزارع شبعا، مثلما رد الحزب على واقعة اغتيال أحد كوادره في "عدلون"! لكن هذا الاحتمال تحفه مخاطر الرد الإسرائيلي الذي قد يتطور لهجوم تدميري على العمق اللبناني، وفي ظل ظرف سياسي داخلي شديد القلق وكثير المحاذير.
(٢) الرد في الجولان المحتلة! حيث يمتلك الحزب قوات جاهزة قريبة في مناطق الجولان المحررة، لكن هذا النطاق لا يخلو من صعوبات ميدانية! لأن الجولان المحتل به استحكامات دفاعية قوية، وشبكة دفاع جوي محكمة، فضلا عن قوات التدخل السريع التي تنطلق من قاعدة "رامات ديفيد"، فهل كان اختيار "القنيطرة" لاصطياد الحزب في مصيدة الجولان؟ ويبقى السؤال الأهم هنا: ما أثر فتح تلك الجبهة الجنوبية على العمليات المخططة في شمال سوريا؟ فالحزب شارك بفاعلية في معارك اللاذقية ويشارك كذلك في معارك حلب شمالا منذ منتصف ٢٠١٤م.
(٣) الرد في الجليل الأعلى شمالي فلسطين المحتلة! ولكن هذا الرد - رغم تلويح الحزب به فيما مضى أكثر من مرة - يبقى الاحتمال الأصعب، لأنه يؤدي حتما إلى حرب مفتوحة أكثر ضراوة من حرب تموز ٢٠٠٦م. فسوف يسخر العدو كل إمكاناته للحفاظ على هيبته العسكرية أمام اختراق "ما يعتبره" أرضه للمرة الأولى، بعد عقود من الحرب على الأراضي العربية.

زمن الرد قد لا يكون فوريا بطبيعة الحال، ولكن زمنه لن يطول، وليس من الصواب أبدا أن يطول. معادلة الردع قد تحتمل مبدأ "اختيار الوقت" بتقدير الأيام أو الأسابيع، ولكن ليس بتقدير الشهور أو السنين.   

بقلم الكاتب المصري/ اياد حرفوش


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق